خطبة الجمعة تحت عنوان وانقضى شهر رمضان فماذا بعد؟ للشيخ ماهر خضير
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة تحت عنوان
وانقضى شهر رمضان فماذا بعد؟
أعدها / ماهر السيد خضير (إمام وخطيب ومدرس – وزارة الأوقاف المصرية)
الحمد لله رب العالمين قدر الأرزاق وفق مشيئته فمن الناس ممنوح ومسلوب شهدت له الكواكب في شروقها والغروب وأقرت به الأحياء في مطعومها والمشروب ,وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات المنزه الذات , وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأسياد سيد الأولين والآخرين من حاضرٍ وبادٍ، خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد
أما بعد
ها هو شهر رمضان قد انقضى وانتهت أيامه ولياليه فيه صمنا وقمنا وتصدقنا من أموالنا طاعة لله عز وجل ارتقينا فيه إلى درجة الإحسان فلقد عبدنا الله تعالى بصيامنا عبادة كأننا نراه سبحانه وتعالى . ولكننا نقول بأن رمضان ومنحه وعطاياه وفضله لم تشرع هملا ولا عبثاً تعالى الله الحكيم عن ذلك علو كبيرا فرمضان جامعة فيه ومنه تعلمنا وخرج منه الكيس الفطن بشهادة تسمى شهادة التقوى (….. لعلكم تتقون) فلقد …
تعلمنا من رمضان
- كيف نحقق العبودية عملياً لله تعالى ؟
عباد الله …. قد أمرنا ربنا تبارك وتعالى بإقامة العبودية أبداً فقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] وما العبودية إلا إلزام والتزام إلزام من المعبود والتزام من العابد. وفي رمضان كنا نصوم بأمر ونفطر بأمر , ننتهي بأمر ونفعل بأمر وتلك هي العبودية لله تعالى فعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه,وقد سئل أبو سهل الصعلوكي عن حقيقة العبودية، فقال: «الموافقة والمخالفة، وهو أن يوافق الحق ويخالف نفسه وهواه» , وقال ذو النون المصري: ” العبودية أن تكون عبده في كل حال كما أنه ربك في كل حال “فلا تكن ولا ترضى ان تكون عبدا الا لمن يستحق ان تكون له عبدا وليس هو إلا ربك ومولاك الكبير المتعال . فهذا أبو عَلِيّ الداق كان يَقُول: أَنْتَ عَبْد من أَنْتَ فِي رقه وأسره فَإِن كنت فِي أسر نفسك فأنت عَبْد نفسك وإن كنت فِي أسر دنياك فأنت عَبْد دنياك.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعس عَبْد الدرهم، تعس عَبْد الدينار، تعس عَبْد الخميصة .
فأنت في صيامك تعلمت العبودية كيف تكون في درسٍ عمليٍ فلتكن من عباد الله تعالى في كل حالك وحياتك
- تعلمنا من رمضان
كيف تكون المراقبة لله تعالى عملياً وواقع؟
كم نحن فى حاجة الى استشعار قول الله تعالى (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء وقوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم) الحديد وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) آل عمران وقوله تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر
وقول الرسول الكريم عن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما، عن رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».[1]
انها دعوة الى مراقبة الله تعالى .
? ففى رمضان كان الواحد منا لا يأكل ولا يشرب ولا يقرب أهله ولربما كان فى مكان لا يراه أحدا من البشر على الاطلاق ومع ذلك هو لا يقدم على شيئ منها ابدا موقناً أن الله مطلعٌ عليه ويراه وتلك هى منزلة المراقبة العملية حيث قال أهل العلم “المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهم إليه” ولها فضل وقدر وأجر عند الله تعالى .
? ومن حقق المراقبة على وجهها كان ممن أظلهم الله فى ظله يوم القيامة عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» [2]
قال ابن منظور- رحمه الله-: فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسان حين سأله جبريل، صلوات الله عليهما وسلامه، فقال: «هو أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة فإنّ من راقب الله أحسن عمله
قال الحسن: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخّر.
فاجعل مراقبة الله تعالى واقعاً عملياً فى كل شأنك فى وظيفتك وفى بيتك ومع اهلك وجيرانك وفى طريقك وفى كل حالك تسعد وتكن من عباد الرحمن الفائزين يوم الدين , فقد سئل بعض الصالحين عن قوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (البينة/ 8) فقال: معناه: ذلك لمن راقب ربّه- عزّ وجلّ- وحاسب نفسه وتزوّد لمعاده
أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: خرج ابْن عمر فِي بعض نواحي الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَصْحَاب لَهُ وَوَضَعُوا سفرة لَهُم فَمر بهم راعي غنم فَسلم فَقَالَ ابْن عمر: هَلُمَّ يَا راعي هَلُمَّ فأصب من هَذِه السفرة فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِم فَقَالَ ابْن عمر: أتصوم فِي مثل هَذَا الْيَوْم الْحَار الشَّديد سمومه وَأَنت فِي هَذِه الْجبَال ترعى هَذِه الْغنم فَقَالَ لَهُ: إِنِّي وَالله أبادر أيامي الخالية فَقَالَ لَهُ ابْن عمر وَهُوَ يُرِيد أَن يختبر ورعه: فَهَل لَك أَن تبيعنا شَاة من غنمك هَذِه فنعطيك ثمنهَا ونعطيك من لَحمهَا فتفطر عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست لي بِغنم إِنَّهَا غنم سَيِّدي
فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: فَمَا عَسى سيدك فَاعِلا إذافقدها فَقلت أكلهَا الذِّئْب فولى الرَّاعِي عَنهُ وَهُوَ رَافع إصبعه إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: فَأَيْنَ الله قَالَ: فَجعل ابْن عمر يردد قَول الرَّاعِي وَهُوَ يَقُول: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ الله فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة بعث إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْترى مِنْهُ الْغنم والراعي فَأعتق الرَّاعِي ووهب مِنْهُ الْغنم
عبد الله
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل … خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة … ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيب
ألم تر أنّ اليوم أسرع ذاهب … وأنّ غدا للنّاظرين قريب
تعلمنا من رمضان
- كيف يكون الاعتصام والاتحاد وانه مقصد شرعى دينى
عباد الله ما من نبي من أنبياء الله عز وجل إلا ودعا إلى الوحدة والاتحاد ونهى عن الفرقة والاختلاف فالاتحاد مطلب شرعي ديني , يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:” كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين” وفى رمضان تعلمنا أن الرب واحد وان الأمة واحدة موحدة في عبادتها متوحدة في شعائرها يفطرون جميعا ويصومون جميعا فى آن واحد .قال تعالى: ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء:92]
عباد الله عليكم ان تنبذوا كل ما يدعوا الى الاختلاف والفرقة لأنه الضعف والفساد قال تعالى “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” اى اجتمعوا على إحقاق الحق ونبذ الباطل
وانتبهوا فان مصرنا يعوى حولها بعض الذئاب العاوية يريدون لها وبها كيدا وشر ولكن هيهات فمصر ارض الكنانة محفوظة بحفظ الله تعالى ثم أهلها وما أجمل كلمات من قال
يا مصر أنشأك الإله كنانة …*… مثلى سهامك للسداد تُسدد
إن الذي حلاك حلية خلده …*… لك بالحضارة من قديم يشهد
ما أنت إلا ربوة بقرارها …*… ومعينها تحلو الحياة وتسعد
هذا قديمك كان يزخر بالغنى …*… وبسدك العالي غدا سيجدد
فالنيل سوف ينيل أرضك ثروة …*… كبرى بها شأن الصعيد سيصعد
إن (الكناني) المبارك عندنا …*… ليحج كالبيت العتيق ويقصد
كم فيه من متعلم يجني لنا …*… ثمر العلوم وناسك يتعبد[3]
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سو ء ومكروه أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه وعلى وآل بيته وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد
تعلمنا من رمضان
- أن الفرح والسرور الحق هي بالطاعة التي هي سبب الفوز بدار الكرامة والنعيم المقيم
إن من النعم العظيمة على الإنسان أن يفرح بفضل الله ورحمته وإحسانه إليهم وإكرامه لهم وهدايته, وفي الذكر الحكيم: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}وهذا هو الفرح الحق
وفى رمضان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه أحمد والنسائي
فالفرح يكون فى الطاعة وأما المعصية فليس لها فرحة وإنما هي لذة زينها الشيطان بزينة مزيفة سرعان ما تزول وتبقى حسرتها في القلب فانظر وتأمل مثال ذلك عبدا قضى ليلة فى طاعة الله وآخر قضها فى معصية الله فتلك الليلة التي اختلطت بتعب الطاعة ذهبت وبقي الأجر ،واليوم الذي امتزج بالمعصية انتهى وبقي الوزر.
تفنى اللذاذة ممن نال لذتـها من الحرام ويبقى الإثم والعـار
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار
G- فالفرح الحق يكون بالطاعة التى هى سبب الفوز بالجنة والتى قال الرسول عنها لموضع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا جَمِيعًا اقْرَءُوا إِن شِئْتُم {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور}[4]
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم:” أسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار”[5]
وقال للذي قال لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ “إني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار حولها ندندن”[6]
وفي رواية لأحمد عن أبي أيوب مولى عثمان بن عفان عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها “. قال: قلت: يا أبا هريرة! ما النصيف؟ قال: الخمار»
تعلمنا من رمضان
- أن نستعد للجواب عن سؤال .. ماذا بعد؟
جاء رمضان وانقضى فماذا بعد ؟ العمر يجرى ويفر ماذا بعد ؟ الشباب يولى ماذا بعد؟ الصحة تذهب ولا تبقى ماذا بعد؟ الموت آتٍ لا محالة ماذا بعد؟
عليك ان تستعد للجواب وتتجهز قبل فوات الأوان وتنظر وتتأمل فإن النجاة والعلم فى ادارك الامور على حقيقتها والجهل المركب هو: “إدراك الشيء على غير حقيقته” والذي يؤدى الى الهلاك
فعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله عز وجل» رواه احمد
وقال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر
وكتب إلى أبي موسى الأشعري حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة
وقديما قالوا من نظر فى العواقب نجا . فعاتب نفسك اليوم وقل لها يا نفس لا ينبغى أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور فالأنفاس معدودة فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك فاغتنمى الصحة قبل السقم والفراغ قبل الشغل والغنى قبل الفقر والشباب قبل الهرم والحياة قبل الموت واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها .
اللهم انى نسألك خير المسألة وخير الدعاء وخير العمل ونسألك حسن الخاتمة
الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء ,,,,,, وأقم الصلاة
أعدها العبد الفقير الى عفو ربه
ماهر السيد خضير
إمام وخطيب ومدرس
وزارة الأوقاف المصرية
[1] رواه الترمذي
[2] البخارى ومسلم
[3] ألقيت هذه القصيدة، في الاحتفال الذي أقيم بمدينة (باتنة) على شرف البعثة الأزهرية ونشرت بمجلة المعرفة لوزارة الأوقاف. عدد (14) ربيع الثاني 1384هـ أوت 1964م وهى للشاعر محمد العيد آل خليفة
[4] سورة آل عمران
[5] أخرجه الحاكم في “المستدرك” “1 / 534” من حديث ابن مسعود. وصححه
[6] أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة باب في تخفيف الصلاة، حديث رقم 792
أحسنت شيخنا جعله الله فى ميزان حسناتكم
أحسنت شيخنا الفاضل وجزاكم الله خيرا وفيرا وكل عام وانتم بخير
أحسنت شيخنا الفاضل وجزاكم الله خيرا وفيرا وكل عام وانتم بخير